علينا اقتحام المواضيع الإنسانية
التلميذ: مــزوار محمد سعيد


إن المواضيع تختلف و تتجلى في العلوم الإنسانية بحيث أنّ هذا التعدد يجعل المتأمل فيها ضمن مجال مفتوح، تختلف أبعاده باختلاف النظرة الملقاة عليه. لكن كل هذا لا ينفي وجودها و قبوعها في مجتمعنا العربي الحديث، فهي إن لم توجد أمامنا فهي حتما موجودة في أعماقنا وعلى جوانبنا، و التي لا يمكن في أي حال من الأحوال أن نتجاهلها عل نحو معين. مما يضعنا تحت مسؤولية إلقاء السؤال التالـي:

ما قيمة هذه المواضيع و ما هي ماهيتها و كيف تتم معالجتها؟

في محاولة الإلمام و الأخذ بالنصيب الكافي من البرهان يمكننا القول أن المواضيع التي نتحدث عنها لا تخرج عن حدود القوانين المتعارف عليها لدى أفراد الإنسان المتمايزين فيما بينهم، و التي تحتاج إلى اهتمام أكبر، يجعل منها قبلة للتجارب و الاستثارة و التنبيه، قصد بلوغ النتائج المرجوة في أي حال من الأحوال.

بل نحن نأمل أن تجد هذه المواضيع التي هي حتما مهمشة و تقطن ضمن الكبت الفاعل لتأثيراتها المتواترة، وهنا نخص بالذكر المواضيع النفسية التي غالبا ما تبدوا خاضعة للصدفة أو الحظ، و تبقى عصية عن الإخضاع للجانب العلمـي أو المعرفي المنهجي.

لكن جوهر الأشياء ليس ظاهرها، فإن الإنسان بصورته البيولوجية المقننة بالتفاعلات الكيميائية أو التحولات و التفاعلات المهضومة أكثر تعقيدا، و خارجة عن السيطرة الفعلية أو الإرادة البشرية. و التي يصطلح عليها إما بالإيمان عند رجال الدين، أو مجرى الطبيعة عند العلماء العلمانيين، مما جعل من هذه المواضيع مناطق ملغمة تكاد تكون محرمة على الدارسين أو الباحثين.

و بعد تقدم العلم على الطريقة الجديدة، وتخلصه من التبعية الدوغماتية التقليدية، خاصة في ظل التقدم و التطور المعيشي. و الذي أفرز عدّة نتائج، كانت كبرى في انعكاساتها على الجانب الشعوري، و الذي تأثر في العمق بالضغوطات المتكررة على جميع الأصعدة النفسية و الإحساسية. مما ولّد سلسلة تتفاقم تفككا يوما بعد يوم، و إن كان على مراحل و بهدوء. إلاّ أنه موجود و حاصل إما شعوريا متنقلا بين نبرات المتكدسات العصبية، أو احساسيا متدرجا على أدراج القلوب و الانطباعات.

هذا التأثر كان ضخما جدا فقد مس جميع المجتمعات من كافة المناطق و البقاع، مما أهلها لأن تكون عالمية بامتياز. بما فيها المجتمع الجزائري الذي تجرع أفراده من كأس هذه التأثيرات و مازال إلى وقتنا هذا.

لذا يتحتم علينا كعرب أن نشارك في إخضاع هذه الظواهر المتجذرة في العمق البشري إلى القوانين المتعاهد عليها، و التي تكوّن مفاهيم أقل ما يقال عنها أنها غالبا ما تصبح سد مناعة يحارب جراثيم الضغوطات على هذه المستويات، فالعالم يتغير بتغير أفراده، و مناخه، و تركيباته المتنوعة. لكن هذا لا يمكن أن يكون مبررا لجمود الأعمال البارزة، و التي يمكنها الخروج بالإنسان إلى بر الأمان.

هذا الأمان الذي ضحى من أجله نفس الإنسان تضحيات جمة، و قام في سبيل ذلك بتنازلات كثيرة قصد بلوغ القيمة المعرفية، و التي هي عبارة عن عدّة عناصر تتكامل فيما بينها قصد الوصول إلى نتيجة آلية، عالية التقنية و الديناميكية. و التي تهبط إلى مستوى عدم التعرض إلى خطر الصدمات أو الارتجاف أو ردود أفعال مرفوضة. من ظاهر المبادئ المكونة للعنصر المزعج أو المحيط بطريقة الانكشاف العام لذات القيمة المعترف لها بتسيب هدوء عام لدى نفسية الكائن البشري، و التي تجعل من تناقح الأفكار و سريان المعلومات في حلقات اتصالية أمرا سهلا للعامة منها و الخاصة.

و لابد أن يُتحكم في هذه العملية، حتى لا تنتج طريقا صعبا متعرجا يصعب إدراكه إما على المستوى القاضي معالجته أو المستوى الواجب إدراكه، قصد تعريته و الكشف على المستور من جوانبه، والتي تكون ذات تأثير عظيم على مسار الدورة التعاقبية للأجيال.

فهذه المواضيع هي في حد ذاتها مكسب و نعمة قبل أن تكون مسلب و نقمة، بتحريك العملية التفكيرية، و إن لم تصل إلى أهدافها المتوخاة أو المرجوة منها فهي تجعل الذهن يعمل، و يمعن النظر في ظواهر كانت بالأمس القريب حكرا على اعتقادات عديدة، و حبيسة تكهنات في مجملها خاطئة، تفتقر إلى الدليل و الإقناع. أو تستعمل الإكراه لبلوغ تثبيت المعايير، و المعارف على حسب التطلعات المتنامية، و المحفزات المتراصة، ضمن النطاق المحدود و الموجه لتفادي الأضرار المنعكسة على مصادر هذه المواضيع و أهميتها.

The Lord: Mezouar Mohammed Said